المشاركات

الذوق في الفن

  الفن والطرب في أصله ذوق ووجدان في النفس والباطن ، يهيّجه الكلام الرقيق والصوت الحسن والنغم الجميل ، فيترشح أثره على ظاهر صاحبه ويتسلل من قلبه إلى جسده ، فيتفاعل بحركات موزونة وتعابير مختلفة تنم عما بداخله من الوجد أو السرور . وهذا فــي أصله من علامات سلامة الذوق وكمال النفس الإنسانية . ومدار الفن على وجود التناسب والتناسق بين الحال والنغم والكلام إلى آخره. فمن ثَمّ لا تجد المغني يستسيغ مواصلة الغناء إذا كان الإيقاع لا يلائم اللحن الذي يغني به ، ولا صاحب الزفين يتمكن من الرقص إذا كان يرقص باتجاه إيقاع موسيقي معيَّن ونغمة العازف تسير في اتجاه موسيقي معاكس ، وهكذا . فمتى ذهب التناسب .. ذهب الفن . فمن الغريب أن ترى الكلام الذي يتغنى به المغني ويرقص عليه الراقصون في واد ، وأولئك الذين يردّدونه في وادٍ آخرَ . هؤلاء الذين في الفيديو يحدو فيهم المغني بأبيات ابتهالية يخاطب فيها الناظم ربه بالاعتراف بالتقصير في حقه وأنه قد استكثر من الخطايا والذنوب حتى إنه قد أشرف على ( لظى ) وهي نار جهنم ثم يتوجه إلى الله في أن يتوب عليه. وهذه المعاني كما ترى تملأ قلبك بالحياء من الله والإشفاق من الوقوف بين ي

الزوجة والخدمة

  عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت أرجِّل رأس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا حائض)، الحديث ، وهو في الصحيحين وغيرهما، ومعنى ترجّل الشعر: تسرِّحُه . قال الباجوري في شرح الشمائل: ( وهذا يدل … على حِلِّ [أي : جواز] استخدام الزوجة برضاها، وأنه ينبغي للمرأة تولي خدمة زوجها بنفسها ) . وهنا مسألتان مهمتان:  الأولى : (أنه يحل استخدام الزوجة - أي إشغالها بالخدمة - برضاها). والثانية: (أنه ينبغي للمرأة تولي خدمة زوجها بنفسها) وفي قوله في المسألة الأولى : ( برضاها ) إشارة إلى أن جواز استخدام الرجل للمرأة وإشغالها بخدمته مشروط برضاها ، فحيث شك الرجل في رضا المرأة بالخدمة أو ظن أنها تنبعث إليها بدافع من الرهبة أو الحياء .. فليتورَّعْ عنها وليكف عن طلب ذلك منها ، وليتذكر أن ما أُخِذَ بالحياء فكأنما أخذ بالسيف ، وأمَّا ما يؤخذ بالضغط والقهر .. فالأمر فيه أشد . وهذا يعلّمنا أن نقدِّرَ ما تبذله لنا النساء على سبيل العادة من صنع الطعام وتغسيل الملابس وتهيئة المكان …إلى آخره ، فيكون طلبنا له منهن على وجه الالتماس والرجاء لا المطالبة والإلزام، وأن نتلقاه بيد الشكر والامتنان ، وأن لا نسمح لأن

لحظات الألم

    ( لحظات الألم )   شعرت بيسير صداع صاحبني لبضع ساعات ،  فوجدت نفسي أحسب وأعدُّ الساعات  وأتذكر من أي ساعة بدأ ، وإذا بي وأنا أتحدث مع أحدهم  أقول له  : منذ الساعة الفلانية أصابني ، ثم تفكرت في حالي وما تحملني عليه النفس الأمارة من سوء الأدب مع الله ! قبل هذه الساعات اليسيرة مرَّت ساعاتٌ كثيرة وأيامٌ طويلة ومدَدُ العافية من الله يجري لي ولم ينقطع عني فلَمْ أحسب الساعات ولم أعدَّ الأيام ،  ولم أحدّث نفسي بذلك أصلا ! ولو أني أردت أن أفعل ..   لعجزت ، فكم ذا سأعد وكم سأحصي !   ماذا لو أن رئيس الدولة يفاجؤك كل يوم بألف دولار يعطيك إياها بلا مقابل ، يمنحك إياها وأنت لا تفعل مقابلها أي شيء ، ثم في يوم من الأيام لم يعطك شيئاً ،  فهل ستسمح لك مروءتك أن تقول لمن عندك :  لقد مر يوم كامل بساعاته الأربع والعشرين ، ساعة بعد ساعة والرئيس لم يعطني ألف دولار ، لا حول ولا قوة إلا بالله ! بل ربما استحييت أن يخطر لك هذا الخاطر تجاهه لأنك مشغول بالخجل نحو إكرامه الذي ما كنت تفهم له سبباً غير أنه كريم .   أليست العافية التي يهبك الله إياها كل يوم أغلى من ألف دولار ؟ ألا ترى من الناس من يتردد على حوانيت ا

مع ألفية التأليف

صورة
مع ألفية التأليف بسم الله الرحمن الرحيم مِنْ خير ما أوقفَتْنِي عليه يدُ التوفيق الإلهي في الأيام الماضية وأنا بأرض (إندونيسيا) الألفية البديعة المسماة ( التعريف والتثقيف بألفية علم التأليف والتصنيف ) . وهي - فيما وقفت عليه - أول منظومة في علم مناهج التأليف وآدابه ، جادت بها قريحة أخينا الموفق المرعي بعين العناية ، إبراهيم أمين خليل الخليلي ، الذي تخرج من دار المصطفى قبل نحو سنتين ، بعد أن قضى فيه سبع سنوات يتلقى العلوم الشرعية، وهو من بيتٍ عريق في العلم والتربية ببلد ( مدورا ) . والواقف على الألفية المذكورة يقضي من حسنها العجب ، وتتجاذبه مثارات التميز والجودة من كل جانب ؛ فقد اشتملت على جل ما يتعلق بالتأليف وآدابه ومناهجه وما اتصل به من مباحث ، مع ذكر الأمثلة والتطبيقات ، بالإضافة إلى ما تميزت به من سلاسة النظم ولطف التعبير وحلاوة الأسلوب وخلوه من أثر العجمة ، مع صعوبة الظرف الصحي الذي صاحب الناظم أثناء قيامه بالنظم ، ناهيك عن السبق العلمي الفريد في هذا الباب من العلم ، هذا كله مع صغر الناظم وحداثة سنه إلى غير ذلك مما ترى تفصيل بعضه في هذه السطور. وقد بلغت أبياتها ١٤٥٧ بيتاً ، وقد التم