حول فريضة التوكل وضرورة الأخذ بالأسباب..

حول فريضة التوكل وضرورة الأخذ بالأسباب

ربط الله في عالم الدنيا بين الأسباب ومسبباتها. 

وجعل لكل من جوارحنا وقلوبنا وظيفة نحو هذه الأسباب، فتعبد جوارحنا بالأخذ بها ومراعاة الاقتران الذي عقده بينها، كما تعبد قلوبنا بالتنزه عن اعتقاد التأثير في شيء منها. 

ومن هنا كان قولهم: الجوارح تعمل والقلوب تتوكل

فهما دائرتان إذن:
دائرة الاعتقاد وهي التي يستقر بها التوكل. 
ودائرة العمل وهي التي تنطلق فيها الجوارح عاملة بالأسباب. 

فالتوكل وظيفة القلب نحو السبب. 
والعمل وظيفة الجوارح نحو السبب. 


و كثيراً ما تلبس النفس الأمارة على صاحبها ليخلط بين الوظيفتين، فإما أن يتوكل بجوارحه ويهمل الأسباب؛ بناء على اعتقاد عدم التأثير فيها. 
أو يأخذ بالأسباب بقلبه فيعلق خوفه ورجاءه عليها. 
وكل ذلك انحراف عن الجادة.

ولما كان التوكل هو وظيفة القلب.. كان أثره متعلقا بمحله الذي هو القلب، فيعود عليه بالسكون والطمأنينة والثقة بالله دون أن يتجاوزه إلى الجوارح ليقطعها أو يؤخرها عن العمل، ولن يكون كسل الجوارح وتخلفها عن إتقان إقامة السبب ثمرة للتوكل، وإنما هو ثمرة للتواكل. 

بل إن إتقان السبب بالجوارح يتوفر لاستدعائه دافع قلبي وهو طلب مرتبة المحبوبية التي أشار إليها ﷺ بقوله (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه).  والامتثال لأمره ﷻ والخضوع لما سنه من سنن في الخلق.

وهذا هو الفارق بين المرتبط بالله والغافل عنه، فالأول دافعه ما علمت والثاني دافعه للعمل هو العادة المجربة، وحامله على الإتقان هو استجداء الثناء والمكاسب الفانية. 

فالفرق بين الفريقين كما ترى أمر قلبي، أما الأسباب الظاهرة .. فالكل يأخذ بها.

فاتضح بهذا أن من يهمل إقامة السبب ويتعلل بالتوكل فهو مخادع لنفسه؛ لأن ثمرة التوكل أن يَسْكُن قلبه لا أن تَسْكُن جوارحه أيضاً
كما أن من يعمل بالأسباب مع اضطراب القلب ولا يجد برد الرضا عن الله والسكون إلى التسليم باقداره  متذرعا بواجب الأخذ بالحيطة والعمل بالأسباب فاقد للصلة بربه مقصر في واجب الثقة به

وختاما..
 ألا يمكن أن يكون للتوكل القلبي أثر يسري إلى الجوارح في الأخذ بالأسباب ولو كان خفيا؟ 

والجواب: أن الأصل في أثر التوكل هو اطمئنان القلب كما علمت، ولا يبعد أن يتجلى ذلك الأثر على الجوارح بالتوأدة والسكينة فلا يغشاها الارتعاش، ولا يبدو عليها الاظطراب الذي يغذيه قلق الباطن وضيق الصدر الحاصل لدى من لم تجد أنوار التوكل والثقة بالله سبيلا إلى قلبه.

هذا هو الأصل في واجب المؤمن نحو التوكل وإقامة السبب وإن كان من الخلق من أقيم في مقام التجريد المحض فلكل قاعدة استثناء والنادر لا حكم له.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

كتبه: حامد بن عمر بن حفيظ.

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مع ألفية التأليف

تسول الاحترام

لحظات الألم