الزوجة والخدمة

 عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت أرجِّل رأس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا حائض)، الحديث ، وهو في الصحيحين وغيرهما، ومعنى ترجّل الشعر: تسرِّحُه .

قال الباجوري في شرح الشمائل: ( وهذا يدل … على حِلِّ [أي : جواز] استخدام الزوجة برضاها، وأنه ينبغي للمرأة تولي خدمة زوجها بنفسها ) .

وهنا مسألتان مهمتان: 

الأولى : (أنه يحل استخدام الزوجة - أي إشغالها بالخدمة - برضاها).

والثانية: (أنه ينبغي للمرأة تولي خدمة زوجها بنفسها)

وفي قوله في المسألة الأولى : ( برضاها ) إشارة إلى أن جواز استخدام الرجل للمرأة وإشغالها بخدمته مشروط برضاها ، فحيث شك الرجل في رضا المرأة بالخدمة أو ظن أنها تنبعث إليها بدافع من الرهبة أو الحياء .. فليتورَّعْ عنها وليكف عن طلب ذلك منها ، وليتذكر أن ما أُخِذَ بالحياء فكأنما أخذ بالسيف ، وأمَّا ما يؤخذ بالضغط والقهر .. فالأمر فيه أشد .

وهذا يعلّمنا أن نقدِّرَ ما تبذله لنا النساء على سبيل العادة من صنع الطعام وتغسيل الملابس وتهيئة المكان …إلى آخره ، فيكون طلبنا له منهن على وجه الالتماس والرجاء لا المطالبة والإلزام، وأن نتلقاه بيد الشكر والامتنان ، وأن لا نسمح لأنفسنا بالانزعاج والغضب عندما لا تنشط إحداهن للقيام بذلك في وقت ما ، فإن لوم المحسن على ترك بعض إحسانه لؤم ، وصاحب المروءة يشغله شكر من أحسن إليه عن مطالبته بمزيد من الإحسان .


وفي قوله بعد ذلك : ( وأنه ينبغي للمرأة تولي خدمة زوجها بنفسها ) تنبيه على أنه لا ينبغي أن تجعل المرأة من عدم وجوب خدمة الزوج عليها محفّزاً لها على ترك الخدمة ، أو مزهّداً لها في هذه المكرمة ؛ فإن وقوف الزوجين عند حدود الواجبات والحقوق .. عنَتٌ ونكَدٌ يضيق معه البيت بساكنيه ، ويصبح به الإنسان كالآلة والروبوت يتعامل بالعدل والقسط الدقيق بلا مشاعر ولا محبة ، وإنما العدل خليفة المحبة يستعمل حيث لا توجد كما يقول الراغب الأصفهاني.

 

ومتى أقبلت المحبة .. جاء معها الإحسان يزاحم العدل حتى لا يُبقِي له مكاناً في التعامل كما لا يبقى للتيمم مجال عندما يتوفر الماء ، فما سمعنا قط بمتحابين يتعاملان بالعدل ويحبس كل منهما نفسه في دائرة الحقوق والواجبات.


ثم إن الله ما رفع المؤاخذة في المستحبات ليزْهَدَ فيها المؤمنون ، ولكنه إنما فعل ذلك ليترك للمؤمن مقياساً يقيس به دافعه في عبادة الله ، هل لا تزال عبادته لمولاه مفصولة عن عواطفه وحبه فلا يفعلها إلا تخلصاً من عقاب سيده فحسب أم أن حلاوتها قد أخذت في السريان إلى فؤاده ومشاعرَ الحب لمولاه قد طفقت تتوقد بين جوانحه فأقبل على عبادته ولو لم يكن في تركها عقاب ؟! 

ومن ثم كان جزاء العامل بالسنن أن ينال المحبة من الله ؛ إذ الجزاء من جنس العمل ، قال تعالى في الحديث القدسي: ( ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ) .

ولعل هذا السر هو الذي دعا العلماء لاختيار  المستحب المشتق من الحب ليكون دالا على السنن والمندوبات دون الفرائض والواجبات ، مع أن الواجبات أيضاً محبوبة لله تعالى .

اللهم ارزقنا حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربنا إلى حبك، وأحينا على المحبة وتوفنا عليها واحشرنا مع خواص أهلها يا كريم.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مع ألفية التأليف

تسول الاحترام

لحظات الألم