المشاركات

تسول الاحترام

  تسول الاحترام   لآل البيت فضائل ثابتة ، ومنكرها مكابر ، وليس هذا محل حديثي هنا ، وإنما ذكرته لئلا يتوهم القارئ مما سيأتي تقليلاً من شأن هذه الحقيقة ، أو تهويناً لها.   ثم إنه بمقتضى ما ثبت لهم من الفضيلة بانتسابهم إلى جناب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كان من تمام تعظيمه عليه وآله الصلاة والسلام أن يتجلى أثر ذلك التعظيم في المحبة لأهل بيته والتعظيم لهم ؛ إذ ولد الحبيب .. حبيب ، ومن أحب أحداً .. أحب سائر ما اتصل به .   ثم إن قوة الإيمان لدى كثير من المؤمنين دفعتهم إلى بعض الممارسات والسلوكيات التي تعبر عن تعظيمهم لآل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، بل عن تعظيمهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولكن في أهل بيته كما قال سيدنا الصديق رضي الله عنه فيما رواه البخاري : (ارقبوا محمداً في أهل بيته).   مِنْ ذلك في بلدنا مثلاً أنهم كانوا لا يصافحون أحداً من آل البيت وإلا وأخذوا بيده يقبلونها ، وأنهم يخصصون آل البيت ببعض المراسيم والألبسة في المناسبات ، إلى غير ذلك . ثم لما درج على هذا الأمر جيلٌ بعد جيل أصبح جزءاً من عادات الناس وتقاليدهم الاجتماعية.   كان كل ذلك ب

رسالة العيد

  ( رسالة العيد ) بسم الله الرحمن الرحيم ما كادَ رمضان يطوي بساطه ، ويلمُّ شعثَ بضاعته التي ما برح يعرضها علينا ثلاثين يوماً، ويقوِّضُ خيام بهجته وأنسه التي كان قد احتوانا فيها، ويمتطي ظهر الفراق، ويمضي راحلاً إلى ربه شاهدا للكل بما لهم وبما عليهم، ويولي منصرفاً ويده تشير بالتوديع، والقلب يتفطر أسى على فراقه والعين تسيل حزناً على رحيله .. ما كاد يحصل ذلك كله حتى طرق عليَّ الباب طارق العيد، ويقول : لُيِخَفِّفْ عنك ما تجدُهُ من فراق صاحبي أنني قد وصلت إليك، ومعي ما معي ، فافتح الباب لي، وأعِرْنِيْ سمعك لتعي عني ما أقول : ·       رمضان عطية الكريم جل جلاله ، والكريم لا يرضى لعطاياه أن تُشَاب بالحزن، لا في أولها ولا في آخرها ، بل إن من يتلقى كرم الكريم تجده أفرح ما يكون عندما يتم له أخذ العطية، أفيرضى لك أكرم الأكرمين أن يأتي عليك ميعاد تمام عطيته وأنت في حزن وكآبة؟! حاشاه جل جلاله . وها قد أرسلني في إثر عطيته إليك ، وجعلني ميقاتاً لفرحك وسرورك، فاقدر لي قدري.   ·       أَعْلَمَكَ اللهُ تعالى أن شهر رمضان شهر عظيم، وأبان لك ذلك في آيات وأحاديث كثيرة، ثم أراد منك أن تضمَّ

الداعي وأهل المعصية

(لا تصحب من لا يحبك إلا معصوما)   بسم الله الرحمن الرحيم   مرَّتْ معنا في مجلس الروحة (وهو مجلس العلم الذي يكون بعد العصر) يوم أمس بمسجد باعلوي عندما قرأ القارئ في «الرسالة القشيرية» قصةٌ عجيبة، استلفَتَتْ نظري وجذَبَتْ برداءِ تأملي وانتباهي، إذ لامست إشكالا كثيراً ما نعانيه وطالما غفلنا عنه. ولِأَدَعْكَ أخي القارئ مع القصة قبل أن أُدْلِي بتعليقي عليها: حكى الإمام أبو القاسم القشيري في «الرسالة» (ص: ٢٩٨) أن أبا عَمْرو بْن نجيد فِي ابتداء أمره اختلف (أي: تردد) إِلَى مجلس أَبِي عُثْمَان (واسمه سعيد بن سلام الحراني) فأثَّرَ فِي قلبه كلامُهُ، فتابَ، ثُمَّ إنه وقعت لَهُ فترةٌ (أي انقطاعٌ ورجوعٌ إلى ما كان عليه) فكان يهرب من أَبِي عُثْمَان إِذَا رآه، ويتأخرُ عَن مجلسه، فاستقبله أَبُو عُثْمَان يوماً (أي: لقيه في الطريق في مقابله) فحاد أَبُو عَمْرو عَن طريقه، وسلك طريقاً أُخْرَى، فتبعه أَبُو عُثْمَان، فَمَا زال يقفو أثره حَتَّى لحقه، فَقَالَ لَهُ: يا بُنِي، لا تصحب من لا يحبك إلا معصوما،   إِنَّمَا ينفعك أَبُو عُثْمَان فِي مثل هذه الحالة. قَالَ: فتاب أَبُو عَمْرو بْن نجيد وعاد إ

فرحة الإفطار

  ( فرحة الإفطار ) بسم الله الرحمن الرحيم كلنا قد طرق سمعه قولُ نبينا صلى الله عليه وآله وسلم: (( للصائم فرحتان؛ فرحة عند إفطاره، وفرحة عند لقاء ربه )) ، والمتبادر لدى الكثيرين من المقصود بالفرحة عند الإفطار هو فرحة الصائم بذهاب ألم الجوع والعطش بما يتناوله من الطعام والشراب. وهذا واحد من وجوه الفرحة التي تحصل للصائم بالفطر، وهناك أوجه أخرى للفرح تتفاوت بتفاوت مشاهد الصائمين وأذواقهم في معاملة الله بهذه العبادة، وقد علم كل أناس مشربهم. هناك من يفرح عند الإفطار بنعمة التوفيق؛ فإن الصيام بحد ذاته نعمة يكرم الله بها الصائمين. أن يرتضيك الله تعالى لعبادته، ويقدرك عليها، ويحببها إليك، ويعينك على تمامها هذا كله من علامات حبه تعالى لك. هناك أناس كثير ما أدركوا هذه النعمة، فبعضهم تمنى أن يصوم أيام هذا الشهر فاخترمته المنية واختطفه الموت قبل أن يحل الشهر، وبعضهم يتمنى أن يصوم أيام الشهر ولكن حالت بينه وبين الصيام الأمراض والآلام، فكم من المسلمين على أسرة المستشفيات وعلى فرش المرض يودون مشاركة الصائمين شرف القيام بهذه العبادة ولكنهم لا يستطيعون، وهناك الكثير ممن أدركوا هذه الأيام وهم

من وحي رمضان: (الملك لله)

  بسم الله الرحمن الرحيم من وحي رمضان: (الملك لله) وقف محسن كريم ذات يوم على عبد ضعيف لا يملك شيئاً، فأنزله في داره، وأتاح له ما لذ وطاب؛ من المأكول، والمشروب، وصنوف اللذائذ، وكان المسكين كلما أخذ شيئاً من ضيافة المحسن .. أخذه على استحياء، وهو مغمور بالخجل. وما أن مرت الأيام حتى ألف المسكين ذلك الإكرام، وأصبح مع مرور الوقت ينسى شيئاً فشيئاً ماضيه وحالته السابقة، فيغيب عن باله أن ما هو فيه مجرد تفضل من ذلك المحسن، ففارقه ذلك الحال من الحياء والأدب، ثم لم تزل العادة والإلف يعملان فيه عملهما حتى توهم أن ما هو فيه حق له، فغدا يتصرف فيه بما يحلو له، ويعطي ويمنع، ويخالف في ذلك بكل جراءة ما يحبه منه المحسن الذي تفضل عليه بكل ذلك. فلما رأى ذلك المحسن .. حبس عن المسكين في يوم من الأيام ما عوده إياه، وقطع عنه ما كان يواصله به، وحينما وجد المسكين نفسه ممنوعاً مما كان يتمتع به .. ثاب إلى رشده، وتنبه إلى أن ما كان متاحاً له .. لم يكن ملكاً له، وإلا .. لما مُنع عنه. وفي اليوم التالي .. عاد المحسن إلى عادته من إكرام المسكين، فتلقى المسكين الإكرام بذلك الحال الأول من الحياء والامتنان والأدب؛

مكانة السلالة في رسالة الإسلام

مكانة السلالة في رسالة الإسلام ( [1] ) إن توظيف ما ورد عن الشارع في (آل البيت) في حكر الزعامة الدينية على سلالة جينية .. ضلالٌ في الدين، ولقد تسبب ذلك في تضليل كثير من الناس، تارة باستغفالهم لقبول ذلك التوظيف الممقوت، وتارة باستثارتهم إلى ردة فعل غاضبة تكر بالرفض والتشنيع على فكرة آل البيت من أصلها وأساسها، بلا تفريق بين حقها وباطلها وخطئها وصوابها. وما أكثر ما يستغشي الباطل برونق الحق ويتبرقع بصورته، ولولا ذلك .. لما تمكنت حبائل الباطل من استجرار عاقل. وليس من غرته صورة الحق الزائفة فقبل الباطل بأسوأ حالاً ممن حمله بطلان الباطل على رفض الحق الذي تزيا الباطل به. وسوف أجعل ما أعلق به في هذه العجالة ملخصاً في النقاط التالية: أولاً : إن جعل الاهتمام بالجانب الأبوي لسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم إنما يكون في مقابل الاهتمام بالجانب النبوي وعلى حسابه بحيث لا يقوى الأول إلا بقدر ما يضعف الثاني .. مبني على توهم تنافر جانبي الأبوة والنبوة في شخصه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، وهو وهم فاسد نشأ عن فهم خاطئ لبعض النصوص الشرعية، سببه الغفلة عن مجموع ما ورد في القضية من النصوص الشرعية.